الأربعاء، 7 أبريل 2010

السلط مدينة الأصالة عبر التاريخ

السلط مدينة قديمة العهد تعود بنشأتها الى العصور الحجرية ،غنية بالموروث الثقافي والحضري والعمراني والاحداث التاريخية ، لا تزال تحتفظ بمركزها الاداري والتجاري لمحافظة البلقاء ، قائمة على كتف غور الاردن الاوسط تحتل قمم الجبال والتلال وتشرق على البطاح الخصبة والاودية المتصدعة الجميلة وكأنها الحارس الذي لا يغمض له جفن يتراوح ارتفاعها بين ( 800-1200) م فوق مستوى سطح البحر .
السلط حافظت على اصالتها منذ فجر التاريخ وعبر العصور القديمة حتى يومنا هذا وهناك شواهد عديدة على اصالتها فمن الشواهد طبيعي ومن الشواهد بشري ، فهي لا تزال معروفة باشجارها وثمارها وهو شاهداً حصل على شرف اسمها وسمي العنب السلطي وهو من أفضل أنواع العنب على مستوى العالم.
عندما أتحدث عن أصالة السلط لا بد لي ان أصنف أصالتها وفقاً للمعطيات والمقومات الطبيعية والبشرية ، اما عن المقومات الطبيعية التي ساهمت الى حد كبير في أصالتها وتطورها الحضاري، نجد موقعها الجغرافي الذي يتوسط الأردن ، ومن خلاله نطل على بدايات التاريخ البشري وعلى أقدم مدن الأرض أريحا الواقعة على الساحل الغربي للبحر الميت وهذه الإطلالة لا تحرمنا من رؤية اخفض بقاع الكرة الارضية على مستوى العالم نشاهد المياه المالحة الزرقاء للبحر الميت ونشاهد تعرجات نهر الأردن الخالد المقدس الذي تعمد فيه السيد المسيح عليه الصلاة والسلام ، نشاهد من مرتفعات السلط قبلة المسلمين الأولى ومأذن القدس والأقصى الشريف وترى كثيراً من مدن الضفة الغربية لنهر الاردن الخالد ، هذا الموقع ساهم في حقل شخصيتها عبر التاريخ وجعلها منذ زمن بعيد موضعاً يجتمع فيه القادة والساسة واصحاب اتخاذ القرارات موضعاً تتجمع فيه الفعاليات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغير ذلك من الفعاليات المختلفة وهذا الموضع اصبح نقطة انطلاق وانتشار بيارق النور والعلم والجهاد على ما جاورها من اماكن ومدن ومستوطنات بشرية في جميع الاتجاهات وبفضل هذا الموقع والموضع اصبحت السلط مركزاً حضارياً وتجارياً وجهادياً ومهداً ثقافياً لجميع أطياف المجتمع الأردني حضراً وريفاً وبادية .
اما الجانب الاخر لاصالة مدينة السلط يبرز من خلال مورفولوجية المدينة ( Land scape ) ومظاهر السطح لموضع المدينة فنجد ادراجها تتسلق سفوح الجبال والتلال ونجد شوارعها المبلطة وطراز عمرانها المثالي الفريد الماثل بالمباني وهندسة العمارة وحجرها الاصفر الذي اقتطع من جبالها ومحاجرها.
وتبرز أصالة مدينة السلط في نمط استعمالاتها الأرض فيها حيث استخدمت المناطق المنحدرة والمناطق الصخرية لغابات التوسع العمراني وأبقت على الأراضي السهلية والتربة الخصبة لغايات الزراعة وإنتاج المحاصيل وبهذا المنطق والسياسة فقد سبقت السلط معظم دول العالم والمنظمات الدولية على اسلوب ومنهج التنمية المستدامة .
وصفت السلط في كتابات الباحثين والمؤرخين وصفا موجزاً ومعبراً حيث يقول ( نجيب نصار ) 1865-1948 ( ان في تلال السلط وأوديتها ثروة عظيمة لا يمكن حصرها وفي عقول سكانها الأوفياء ذكاء خارق وفي أجسامهم نشاط كبير يحتاج الى ادارة نشطة لاخراج كنوز الارض وكل شيء في مناطق السلط جميل وملفت للنظر حتى المباني العتيقة يظهر عليها مسحة العروبة ولا تزال شاهداً على شموخ وجهاء المدينة وزعاماتها )
اختصت الطبيعة ارض البلقاء عامة والسلط خاصة بجمال وروعة مناظراها وخصب أراضيها وطيب هوائها وعذوبة مائها, وانعكس ذلك على صحة وعافية سكانها.
تحتل السلط حيز مكاني يفوح منه عطر التاريخ والجغرافية وعطر الاصالة القديمة والمعاصرة ، فقد كانت تدعى جدارا وهي عاصمة لمملكة بييريا وكانت من اكبر الحصون في شرق نهر الاردن وكان ذلك قبل الاف السنين .
اكدت المعطيات والمقومات البشرية على اصالة مدينة السلط عبر التاريخ حيث كشفت لنا بطون الكتب عن أن مدينة السلط تم اعتمادها قاعدة جهادية لقوات صلاح الدين الايوبي فمن مرتفعات جبال السلط تابع قادة صلاح الدين تحركات الصليبين في وادي نهر الاردن، وفي الوقت نفسه كانت احدى الفرق العسكرية لصلاح الدين قد اتخذت احدى اودية السلط المجاورة لقلعة السلط مكاناً لاقامتهم وهي فرقة من الاكراد الهكاربين وقد سمى ذلك الوادي بأسمهم ( وادي الاكراد) .
ان الحديث عن اصالة مدينة السلط عبر التاريخ لا يمكن حصرها فقد تأسس مجلس بلدي السلط بحود عام 1887 وهو من اقدم المجالس البلدية عن مستوى الاردن وكذلك فق سعى رئيس واعضاء المجلس البلدي الى تطوير المدينة وتزويدها بخدمة انارة الشوارع والطرقات والازقة وكذلك فقد اتخذ قرار بأنارة الشوارع والطرقات بواسطة لوكس يعمل على الكاز ويعلق على اعمدة خشبية وقد عين احد المواطنين كمتعهد مسؤول عن القيام بهذه المهمة ومتابعتها بشكل مستمر ودائم كل مساء ولقد تميز سكان مدينة السلط منذ القدم بنمط سلوكي عبر عن اتجاهاتهم ونمط تفكيرهم ، وهو المحافظة على البيئة والتكيف مع ظروفها والتعامل معها بشكل متوازن والاستفادة منها بالقدر المعقول بهدف تحقيق معدل نمو اقتصادي معتدل لاشباع حاجاتهم الاساسية بالاضافة الى سعيهم الدوؤب لتحقيق العدالة الاجتماعية من خلال المشاركة الشعبية المتأصلة بنفوس ابناء المدينة منذ القدم سيما وان مدينة السلط هي بيت الجميع من ابناء ضفتي نهر الاردن ، فاشتهرت بكرم الضيافة وانصاف المظلوم ووقف المعتدي ولهذه الصفات حضيت السلط بلقب ( سلط المعزه ) ففيها يلتقي القديم بالحديث ويلتقى محبو القلم والحياه ولذلك فقد تمثلت فيها الاصالة شكلاً ومضموناً ولعل ابرز مثال على اصالة السلط بالمشاركة الشعبية وهي وثيقة السلط الشعبية التي اقرت من قبل وجهاء وسكان مدينة السلط مع بدايات عقد الثمانينات من القرن العشرين ، ولعل هذا النمط من السلوك الاجتماعي له دلالة على اهتمام السكان المحليين بالجوانب والقضايا الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية.
فالسلط هي المدينة الاولى على مستوى الاردن التي حضنت اول مصنع للادوية البشرية عام 1966 ( الشركة العربية لصناعة الادوية ) .
ونظراً لإيمان ومعرفة جلالة الملك الحسين المعظم رحمه الله باصالة مدينة السلط فقد جاءت مكرمته لابناء الاردن عامة والسلط خاصة بإنشاء جامعة البلقاء التطبيقية عام 1997 ومركزها مدينة السلط لاكمال رسالتها التعليمية والثقافية وكذلك فقد سعى كل من القادة والساسة والأكاديميين الى إيجاد تخصصات علمية لا تتوافر في الجامعات الأردنية الرسمية والخاصة ولعل ابرز هذه التخصصات كلية التخطيط والادارة تخصص التخطيط الاقليمي وكلية الهندسة تخصص هندسة المساحة والجيوماتكس وغيرها من التخصصات التطبيقية .
ان هذه الاتجاهات وهذه الممارسات تناغمت مع رغبات سكان المدينة وقادتها فلهم منا ومن كل أبناء الأردن الشكر والعرفان ، حيث ان التخصصات العلمية الجديدة تمثل أصالة المدينة ودورها الريادي في مسيرة التنمية الأردنية وتطوير الموارد البشرية وبهدف تلبية متطلبات الإنسان الأردني وسوق العمل ومواكبة روح العصر والتكنولوجيا.
عندما اكتب عن أصالة مدينة السلط مركز محافظة البلقاء التي تطل على نهر الأردن بواجهة طولها 86 كم أوجه الانتباه إلى أنها المدينة الاولى في الاردن التي نشأ بجوارها وعلى مقربة منها عدداً من مشروعات التنمية المستدامة التي مثلت استراتيجية الاردن لمشروع الحصاد المائي حيث اقيمت عدداً من السدود المائية ابرزها سد وادي شعيب وسد الكفرين وسد الكرامة وسد الملك طلال على نهر الزرقاء .
وأخيرا وليس باخرا برزت اصالة مدينة السلط بحصولها على الجائزة الأولى كأنظف مدينة اردنية بفضل مساعي القائمين على ادارة مجلس بلدية السلط الكبرى سعادة المهندس ماهر ابو السمن وهو الرئيس السابق لبلدية السلط الكبرى.
هذه الجائزة تعبر عن سلوك المواطن الذي يقيم بمدنية السلط وينتمي لها حساً ومعنى سيما وان نظافة البيئة هي من مبادئ الدين الإسلامي وركن أساسي من أركان صناعة السياحة.

كتبها ل”عمون” الدكتور ممدوح ابو رمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق