الأربعاء، 7 أبريل 2010

بالتديج المريح

قبل قرن من الزمان، وفي ظروف معيشية شاقة، في سياق شديد الشبه يحاضرنا هذا، حيث قلة الحيلة وقصر ذات اليد، ظهرت “وثيقة السلط الشعبية” التي اعتبرت آنذاك ثورة اجتماعية شاملة، على جملة عادات وأعراف وتقاليد استحوذت بشكل باهظ عالي الكلفة على أنماط تعاطينا مع المناسبات الاجتماعية من أفراح وأحزان. فتميزت على الدوام بالتبذير والإفراط في التركيز على المظاهر، بما يؤكد المكانة الاجتماعية المتقدم.
عملت بنود الوثيقة على عقلنة السلوك الاجتماعي الميال نحو الفخفخة، ونجحت في تحقيق نوع من التوازن بين فئات المجتمع، من خلال اعتماد وسائل اقل بهرجة، متخلصة من كافة أشكال الاستعراض والوجاهة، ما أكسب الوثيقة قوتها أنها حازت على قبول فئات كثيرة من أبناء السلط، فصار لها حضور وإلزامية- مثل أي فكرة ديمقراطية حضارية – أنها استمدت قوتها من إرادة المجموع.
تجاوزت الوثيقة وقتها حدود السلط لتلقى رواجا في كافة مناطق المملكة  ، حيث اعتبرت وسيلة دفاع مجدية أمام هجمة الغلاء. تمكن الأردنيون  حينها من مواجهة أزمة اقتصادية لم تكن سهلة، من خلال ترشيد الاستهلاك، والعض على الجرح، لأن مواصلة الشكوى والتذمر لن تجدي نفعا.
 علينا كأفراد مسؤولية المساهمة بالتصدي للمشكلة من خلال التخلي عن أنماط الاستهلاك غير الرشيد، وتحكيم المنطق قبل الشروع في ابتياع أي بضائع غير أساسية مستغنين عن كل ما هو غير ضروري! هذا وحده ما قد ينقذنا من مغبة استمرار مسلسل طويل مليء بمشاهد مرعبة ومحزنة، علينا متابعتها في جميع الأحوال-حتى لو كنا قادرين على التنبؤ بما تخفيه الحلقات المقبلة من ذعر –. حيث يبدو عاديا خبر وقوع مواطن مغشيا عليه في محل بقالة جراء صدمته بارتفاع أسعار الحليب! ويبدو مطمئنا كذلك تصريح مصدر حكومي مسؤول إن سعر أنبوبة الغار لن يرتفع دفعة واحدة بل بالتدريج المريح!
من هنا تبدو الحاجة ملحة إلى يقظة شعبية، يقودها نقابات وجمعيات ومؤسسات مجتمع محلي، في سبيل توعية المواطنين، بكيفية إدارة  سياستهم الشرائية بما يخفف المصاب على جيوبهم قدر الإمكان، ويقيهم شر الإفلاس المبكر، ويدفعهم إلى اتخاذ كافة الوسائل المضادة لاستغلال وطمع بعض التجار بما فيها مقاطعة بضائع ليست أساسية، لن يموت احد إذا انقطع عنها لردح من الزمان.وابتكار وسائل تقشف وتوفير، كأن تبادر ربات البيوت الى إحياء أمجاد طبخات سادت ثم بادت، بقيمة غذائية عالية مناسبة لفصل الشتاء وبأسعار معقولة نسبيا، كما علينا إبداء درجة اكبر من الصبر والتحمل، ولا بد من مشاركة الأولاد في حملة التوعية، كونهم
الفئة المستهدفة أساسا، عليهم أن يكفوا عن التطلب والضغط على الأهل  الرازحين تحت ضغوط مادية كبيرة، كي يتعلموا مفاهيم القناعة والقبول بما هو متوفر والتأقلم مع مصاعب الحياة، ذلك من شأنه أن يصنع أجيالا قوية تعرف معنى الصمود في مواجهة الصدمات.
مما لا شك فيه أن الحالة عصيبة خصوصا على ذوي الدخل المتدني، أرباب العائلات الكبيرة، الحائرين في كيفية ملاحقة الرغيف الهارب دوما نحو جهة غير معلومة! على فئة الموسرين وهم ليسوا بقلة، المساهمة في رأب الصدع بين طبقات المجتمع، والبحث في تنشيط سبل التكافل والتضامن، وتسديد دينهم إلى مجتمع ساهم بشكل ما في تحسين ظروف معيشتهم، في سبيل تطبيق عملي لمبادئ الرحمة والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل، والابتعاد عن كافة مظاهر البذخ والترف الخادش بواقع الحال، غير المتلائم مع معطيات الواقع التي تدعونا جميعا إلى إعادة النظر في تفاصيل كثيرة من حياتنا اليومية، لعل الوقت أصبح ملائما لنفض الغبار عن وثيقة السلط الشعبية وبث الروح في بنودها باعتبارها نموذجا مشرقا في سبيل صد هجمة الأسعار هذه التي تمادت في غيها  وما تزال. 

بسمة النسور
جريدة الغد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق